حلاوة الإيمان
في شرفةِ أحد المنازل جلست فتاتان تكبر أحدهما الأخرى ببضع سنين إسراء وصفا وبينما كانتا تتجاذبان الحديث دخلت أم إسراء لتزف لهم بشرى أن غدًا سيكون شهر رمضان وما أن سمعت إسراء بالخبر حتى قالت: أتعرفين يا صفا كم هو لذيذ الشعور بالصيام؟ شعور الإنسان الذي وكلّ أمرهُ الى القدرة الإلهية، القدرة الحقيقية في الوجود أتدرين كم هو رائع هذا التكيف الروحاني للنفس الإنسانية تكيفها لعبادة الله بكل معاني العبادة التي تشمل كل شيء حتى الصبر على المكاره والثبات في الشدائد
قالت صفا: ولكني ليست لدي الرغبة في الصيام!
قالت إسراء: سأعلمك على تمرين الاستمتاع في الصيام.
اجلسي في مكان هادئ، القدمان بعيدة عن بعض واليدان بعيدتان عن بعض نفس عميق هادئ اخرجيه بهدوء واستشعري وأنت تتنفسين بعمق تكرريه ثلاث مرات ستشعرين أن كل خلايا جسدكِ تسترخي بهدوء وسكون، لاحظي خيالك صورة العمر الذي فات وأنتِ تدخلين الى جسمك أكل يخزن سنين ومنتجات مليئة بمواد صناعية سموم حتى العطر الذي تضعيه على جسدكِ سموم يمتصها جسمك
والهواء الذي تتنفسين وما تسمعينه وما تقرئينه يختزن على مدارعمركِ ، آنَ الأوان لتطهير الجسد بأقوى وسيلة للتطهير التام والتطهير النفسي والروحي من كل الطاقات تستشعرين أنكِ تحضنيها بوعيكِ مشاعر حنان ، اتركي مشاعركِ حتى لو شعرت أنكِ تريدين البكاء، ابكي احتوي كل أعضاء جسدكِ بوعيكِ تأملي كل الشهور التي كانت شهوة الأكل مؤثرة عليك ولا تراعين أي شيء ، اشعري بخلايا جسدك وكأنها مشتاقة لهذا الوعي هناك شهر توقف الأكل الأرضي وركزي على الأكل الطاهر النقي من المركز الرئيس من خالق الكون ستشعرين بشغف لهذا الغذاء النقي طمئني نفسكِ وركزّي بأنه يسجل كلّ شيء عليكِ وقولي لجسدكِ سترى ماذا سأدخل لكَ غذاء سماوي لا أرضي نقاء لمدة سنة شهر كامل من غذاء سماوي يسحب من الطاقة النورانية ,, ورددي سأصوم شهر رمضان وتكون كل خلاياي قائمة وليست نائمة أستطيع التحكم في شهواتي وأنا أقوى من كل الشهوات ، إرهاق ، كسل ، رغبة الى النوم لأن الجسم بعد لم يتعود الصيام وبعدها سيفسح المجال لشحن أكبر بطارية من الشحن الكامل لغاية مايفهم الجسم أن هناك مصدرًا سماويًا رائعًا , متعة رائعة ، شغفًا للتجربة رهيب
فالله أكبرُ من كلّ حاجة ومن كلّ الناس تكونين بمعية الله وإنكِ في حالة شغف بنية خالصة من الأعماق وعام كامل جديد، متعة في روحك كالكهرباء تسري في عروقكِ فعن طريق الله يأتيكِ كل شيء.
وما أن انتهت إسراء من حديثها حتى بدت صفا وكأنها تعيش في صراع نفسي أحست أن لديها ما يعذبها وهذا ما يحز في نفسها ويجعلها تتألم.
قالت إسراء في نفسها: أنا أجهل وضعها الداخلي ليتني أعرف السبب في آلامها فهي تعيش في دوامة من الآلام والانفعالات ولكني بحديثي هذا أعتقد أني قد تمكنت من جرها الى عالم الحقيقة التي نعيشها.
أجابت صفا: لسنا مكلفين بالتكبير والتسبيح ليل نهار ولو أنه من الباقيات الصالحات لكن كثير من الناس يذكر بلسانه وينساه في قلبه وأفعاله.
أجابت إسراء: ولكنا نستطيع أن نجعل أوقاتنا بذكر الله معمورة وبخدمته موصولة دون أن نعطل شيئًا من أعمالنا في الحياة فالمرأة بصورة عامة سيدة أو آنسة تتمكن من أن تصبح دائمًا وأبدًا ذاكرة لله تعالى، خادمة لأوامره متبعة تعاليمه فكل يد معونة تسديها المرأة ولو لأقربائها الأقربين إذا كانت خالصة لله تكون ذاكرة لله وكل لفتة طيبة للغير بدون أي غاية تكون ذكرًا لله سبحانه وتعالى، وأية نعمة تحدثت بها أو بسمة جاءت بها دون رياء أو ملق كل هذا تكون ذاكرة لله سبحانه وتعالى.
جلست صفا مع نفسها تتفكر في هذا الحديث الذي دار بينها وبين إسراء.
أتراني سوف أقوى على الثبات؟
أتراني سوفَ أتمسك بهذه الخيوط التي تشدني الى الأمل؟
أتراني أشدُ بصري الى النور الذي يحول بيني وبينه ضباب يتكاثف كالحجب
ما أقسى أن تكون خيوط الغد غير واضحة، أتراني سوف أعود فأزهو بإرادتي من جديد؟
عزيزتي إسراء: هل سأعود فأعرف أنني أحيا من جديد أو هل سأجدُ اليد الرحيمة
التي تمسح على جروحي والصدر الحاني الذي أُسندُ اليه رأسي؟
بتوكلك على الله وصيامك وصبرك ستجدين ما تصبو اليه نفسك عندما تكونين في ضيافة الله سيذهب الألم تتخلصين منه بسلاح الإيمان فالإرادة عند المخلصين تعمل المستحيل والتصميم الصادق لدى النفوس الصالحة يحيل ما هو
عسير الى ما هو يسير، سوف أستنقذكِ مما أنتِ فيه إن شاء الله
_ أختاه شقيقة الروح لا عدمتكِ
وبينما هما يتجاذبان الحديث، حتى قالت إسراء
لديّ موعد هام يا صفا، وماهو هذا الموعد؟
إنه أهم موعد في حياة الإنسان، إنه الزمن المحدد لصلة العبد بالمعبود والفترة المخصصة لتوجه المخلوق الى الخالق.
إنها الصلاة ولا ريب، هل بإمكاني أن أصلي معكِ؟
هذا من دواعي سروري.
شاعت هذه الكلمات الغبطة لدى إسراء ورددت في نفسها، الحمد لله لقد نجحت الخطوة الأولى، وبعد أن أدتا فريضة الصلاة معا وعادتا الى مجلسهما افتتحت الحديث إسراء وقالت:
ألم تسمعي الآية الكريمة التي تقول (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) إن جميع ما نلاقيه على مسرحِ الحياة ما هو إلا اختبار لنا وإعداد النفس البشرية لرفعها لمستوى الإرادة وسعادة النفس ومجابهة الحياة بطريقةٍ صالحة وقد تكون ابتداء المصيبة عند الإنسان هو بداية تسرب الحكمة اليهِ إذا تمكن من الثبات أمامها فليس من الحق أن يمر بمصيبة يتوقع أن أيامه القادمة ستكون سلسة من النكبات والمصائب.
قالت صفا: لا أدري كيف يد الرحمة قد أرسلتكِ صديقة وفيّة لتستنقذيني من اليأس
ألم تسمعي الآية الكريمة (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييئسن من روح الله الا القوم الكافرون)؟
نظرت صفا الى ساعتها وكان عليها أن تذهب الى البيت.
عزيزتي إسراء شكرًا لضيافتكِ وحديثكِ وسيكون لنا بإذن الله لقاء قريب.
وفي طريقها الى البيت استذكرت ما قالته صديقتها إسراء وما أن فتحت الباب ودخلت غرفتها نظرت الى نفسها في المرآة.
قالت: كنت في حاجة الى من يبعث في نفسي الأمل ويهبني الراحة بعد أن كنت قد اجتزت مرحلة قاسية مرارة ويأس.
سألت نفسها بمرارة: كيف يستطيع الإنسان أن يضحك والدنيا حولهُ باكية؟ كيف يستطيع الإنسان أن يحمل روحًا مُشرقة ونواقيس اليأس تدق في رأسه ليل نهار؟
إنه سينهار بلا شك ولكن قد يوجد من يأبى الانهيار إنه الإنسان
الذي يحتاج الى سلاح يتوق الى الصمود وبينما كانت تتساءل مع نفسها وجدت الجواب في كلمات سماوية التقطها سمعها من مقرئ القرآن الكريم ولا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرةِ أعينٍ)
وجدت من خلالها منافذ نور كشفت عن غطاء الحيرة والتيه، إنه الإيمان يحيل اليأس الى رجاء والعسر الى رخاء والخوف الى أمن ورضا.
نامت تلك الليلة مرتاحة البال مطمئنة القلب واثقة من الله متوكلة عليه قانعةً بما لديها وتفاءلت أن هناك ما ينتظرها ليهبها الراحة مما تعانيه فقد خلدت الى الهدوء.
وفي صباح اليوم التالي ذهبت الى الشركة التي تعمل فيها وعند دخولها أثارت ذهول العاملين إنها ليست بالهيئة المتعارف عليها حيث لا مساحيق على الوجه والحجاب تم تصفيفة بطريقةٍ مرتبة بدت وكأنها شخصية جديدة وسمعت أحدهم يهمس هل من المعقول أن تتغير بين يوم وليلة!
وعند عودتها اتصلت بصديقتها إسراء تحدثها عن سعادتها بهذا التغيير.
فتحتِ لي ياإسراء بكلماتك هذه أبوابًا من الأمل لم أكن أحلم بوجودها من قبل فالأمل يبعث على العمل والعمل يؤدي الى تحقيق المأمول وهكذا بالنسبة لليأس يورث العجز والعجز يؤدي الى الفشل سوف لن أيأس وسوف أتسلح بسلاحكِ الذي قدمتيه لي سلاح الإيمان عسى أن أعود فأزهو بإرادتي من جديد.
- لا تقولي عسى بل قولي سأزهو بإرادتي كما لم أزهُ بها من قبل
أنا أدعوكِ اليوم لتناول وجبة الإفطار معي - شكرا عزيزتي لا تحرميني من متعة تناول إفطار شهر رمضان مع عائلتي، والدي لديهِ زيارة لصديقهِ وسيأخذني معه ليوصلني بطريقهِ اليكِ ونكمل حديثنا.
وبعدما أتمت فطورها وصلاتها ذهبت الى صديقتها إسراء.
أحب أن أشربَ الشاي معكِ، قالت إسراء وأنا كذلك، إسمعي ماقرأتهُ هذا اليوم
قصيدة رائعة أعجبتني جداً حتى حفظتها عن ظهر قلب.
ومن أكون في حضرتك
أتلاشى امامك
وأشعرُ بضآلةِ نفسي
فأنتَ بحر لا حدود له
ولا نهاية له
أنت انفاسي
شهيقي وزفيري
أنتَ غايتي
بدايتي… ونهايتي
حبك
يطوقني
يحتويني
عندما ألفظُ اسمك
خوف يعتريني
لا أحد سواك يعرفني
يعرف كل تفاصيل حياتي
أنت تعرف
بدايتي… ونهايتي
مولدي… ومماتي
…
ما أقربني اليك
وما أقربك الي
كل شهيق أكون اليك أقرب
وكل تمتمةٍ على لساني
أكونُ اليكَ أقرب
فأنتَ القريب البعيد
والبعيد القريب
وشمتُ حبك على قلبي
وجعلتُ قلبي خالصاً لك
وتعطرَ لساني بذكرك
أنتَ وطني وملاذي
وغايتي… وأمنيتي
أنيسي في وحدتي
أنت الأولُ والآخر
وغداً اليكَ أسافر
حقاً قصيدة رائعة سأستعير منك الكتاب بعد أن تكوني قد انتهيتي منه، نسيتُ أن أقول لكِ هناكَ قصيدة أخرى في الكتاب تأمليها وغوصي في أعماقها ومضامينها تشعرك بالراحة والأطمئنان وتُحلقين في عالم الملكوت، عزيزتي لا أطيق الأنتظار اقرئيها الآن لنستمتع معاً بها وبمضامينها ونُحلّق معاً
تكلموا كيفما تشاؤون
حبيبي في القلب وفي العيون
يسكنُ في روحي وفي راحاتي يدي
وفي قلبيَ المجنون
لكم الحق تسألون؟
اين يكون؟
في سمائي وفي النور الذي في جبيني
وفي البحر الذي يسكنُ في عيوني
أناجيهِ كل صباحٍ ومساء
اتوشحُ برداء الصمت وألوذُ أمامَ عظمتهِ
أشتكي… وأستجدي نداه
هذهِ معزوفتي… وتلكَ هي لُغتي
حُبُهُ أفقدني صوابي
ومن فرطِ سُهادي وعذابي
حينَ ألفُظُ اسمهُ تُضئ حواسي
أحرفهُ كالضوء معلقةٌ على شرايين قلبي
وجدتهُ في كلِ مكان
وفي كل الزوايا
حبهُ كالصاعقةِ يأتيني في كلِ معاد
كالنهرِ يجري بين عروقي
تكلموا كيفما تشاؤون
واتركوني مع حبيبي
لتشرقَ ليَّ الأنوار
ويكشفُ ليَّ الستار
اتركوني…
يتغلغلُ حبهُ في عمقِ افكاري
انهُ قدري واختياري
صوتُهُ في الأذان يُغريني
هو ضُعفي… وخوفي
كل ما حولي من الدنيا
ما عادَ أمراً يُعنيني
صرتُ أزهو بحزني
وعن العالمِ استغني
وأفرحُ بقربهِ مني
في ليلي… وفجري
تكلموا كيفما تشاؤون
فحبيبي في القلبِ وفي العيون
وما أن أكملت إسراء قراءة القصيدة حتى لاحظت أن هناكَ قطرة من دمع سقطت على يد صفا التي كانت مستقرة في حجرها! فهالها الأمر فلم تكن صفا تملك ذلك المدمع المعطاء الذي يذرف قطراته لكلّ مناسبة ولم تكن دموعها تعتصر إلا لأمرٍ عظيم فقالت: لماذا تبكين ياعزيزتي فدمعتكِ ثمينة احتفظي بها لتذرف في سبيل الله؟
فانتفظت صفا وقالت: أتظنين أن دموعي ليست من أجل الله، إنها من أجل الله وفي سبيل الله
إذن لماذا الحزن ياعزيزتي مادمتِ واثقة من سيركِ في طريق الحق؟
ألا تتكفل هذه الثقة بأن تمنحك السعادة والرضا؟ إنه شعور بحث الخطى للقاء النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وبوجهٍ أبيض أنكِ قد حفظت الأمانة وأديتِ ماعليك من الحقوق وهذا يبعث الغبطة والفرحة لقلب النبي وهو يقول (إنني اليهم لمشتاق) جعلكِ الله عزيزتي من الذين يشتاق اليهم نبينا عليه الصلاة والسلام، استبشرت صفا بحديثها وقالت: إن شاء الله
وبينما كانت صفا تشرب الشاي، نظرت الى إسراء وهي تطوق إصبعها بخاتم خطوبتها لفارس أحلامها الجميل وتنسج لفكرها خيوطًا ذهبية لحياة زوجية سعيدة منتظرة سألتها صفا
منذ فترة وأنتِ مخطوبة عزيزتي متى نفرح بزواجكِ؟
- سأفاجئكِ في يوم وتكونين أول المدعوين، وأتمنى أن نراكِ عروسة في أقرب وقت.
أنا لست مثلكِ أرتبط بشخص لا اعرف عنه كل شيء.
أجابت إسراء: إن الله أعرفُ بالصالح ياأختاه.
وهنا رأت إسراء أن تجيب دفاعًا عن الفكرة التي تؤمن بها. - كيف تقولين إنني لا أعرف عنه شيئًا وأنا أعرف عنه كل شيء ويكفي أن يكون إنسانًا متدينًا هو ما دفعني بقبوله بكل سعادة ورضاء وواثقة منه في قربه وبعده لأن هذه هي الحصانة الوحيدة التي تلازمه أينما كان.
- أتمنى لك حياة تنث بالسعادة وتمطر بالمحبة.
تتعمق مع تعمق أفكاركِ المؤمنة بالله. - إذن صلتنا ستبقى ثابتة مع أنفاس الحياة التي تتردد.
- نعم مادام الإيمان رائدنا والصلاح هادينا.
- سترين كيف يكون محيطكِ هادئًا مريحًا يهبكِ الراحةَ والأمان.
- سوف أعيشهُ الى جواركِ ياإسراء إن شاء الله.
- نعم إن شاءَ الله ياصفا.
النصوص الشعرية بقلمي
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي