التعليم /جمال عبيد

التعليم
عبارة مكتوبة في جامعة هارفورد تقول: “ألم الدراسة لحظة و تنتهي، ولكن إهمالها ألم يستمر مدى الحياة”، و قال قبلهم الشافعي ، من لم يذق مرّ التعليم تجرع ذل الجهل طول حياته…
يتضح لنا أهمية التعليم من جهة واهمية المعلم من جهةٍ أخرى ، فهو اللبنة الاساسية في بناء حضارات الامم، المعلم هو الدرع الواقي للأجيال، ينور عقولهم و يحسِّن طباعهم و يهذِّب سلوكهم بفنية العطاء السخي ليمثل الطالب المجتمع احسن تمثيل، خاصة إذا توفرت الرغبة في التعليم… عندها سيبدع المعلم… و ستزهر عملية التعليم أيضا. ففي إحدى سنوات التعليم كلفت بتدريس الأول ثانوي لأنه متمرد، علي أعيده للصواب، ومديرنا شخصية تربوية راقية جدا، معطاء ومساعد للجميع…. وافقت برغبةٍ وبثقة. في الحصة الاولى من الدوام توجهت نحو الصف وسؤال يراودني كيف يجب علي أن أكون لأول إطلالة عليهم ؟ بصمتٍ و بحزم شديد ممزوج بإبتسامة لطيفة، وقفت على باب الصف انتظر التزامهم بالمقاعد… بعد التحية تناولت طبشورتي و باشرت الكتابة… عين على السبورة والاخرى على الطلاب لأحكم زمام الأمر. والغريب أن طالباً بقي واضعاً رأسه على المقعد وكأنه نائم، أدرت وجهي للطلبة أطلب كتابة النص الموجود على السّبّورة و في هذه اللحظة توجهت للطالب (ر) يا ابني هل أنت مريض؟ لا؛ هل سهرت ليلة امس ولم تنم؟، نعم. ارجو ان تنتبه وسوف اسمح لك بالخروج بعد (عشر دقائق) كررت الموقف مرتين… إلى أن قال:(عنبوه) جميع المدرسين يسمحون لي!
و كنت لأول مرة أسمع هذه الكلمة التي أوحت لي أنّها شتيمَةٌ لوالديّ . لم اتمالك اعصابي، كانت صاعقة نزلت على رأسي و هدمت كل مبادئ التعليم و مزقت ثوب التربية وأخفت منطقية التعامل الحتمي اللازم بين الطالب والمدرس ورجعت لبدائية الإنسان في ردة الفعل اللاإرادية: لقد علَّم كفي على خده .. نهض من مكانهِ بثورةٍ غاضبة وأغلق الباب خلفه بقوة، هدّأتُ أعصابي، وتابعت درسي..
في نهاية الحصة قابلتُ مديري بالإدارة وإذا التلميذ جالس وعلائم القهر على وجهه… إلتفتُّ إليه وقلت: أيعقل أن تشتم والدي مدرس أراد مشاركَتك درسهُ.
تناول المدير الحديث وقال: أستاذة، هذه لهجة إماراتية تعني (الدهشة من تكرار امرٍ ما) وعندما يطلب شخص أمراً مستحيلاً.
التزمت الهدوء ثم الصمت وانتابني الندم ودمعتي سبقت لساني، يا (ر) حقا إن المعرفة الناقصة هي جهلٌ مذل، وتذكر يا بني أن الوالدين قد كرّمهما الله فلا تلمني فقد خذلني كفّي..