
“خلف حدود الشمس” للشاعرة ليلى بيز المشغرية والتفاعل مع الواقع
بقلم /ناصر رمضان عبد الحميد**
عضو اتحاد كتاب مصر
رئيس ملتقى الشعراء العرب
**
شهدت الساحة العربية في السابع من أكتوبر تطورًا خطيرًا إثر اندلاع الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ما أدى إلى زلزال سياسي وعسكري هزّ المنطقة بأسرها. لم يكن لبنان بمنأى عن هذه الأحداث، فقد دخل على خط المواجهة عبر دعم حزب الله لفلسطين، حيث نفذ عمليات ضد إسرائيل ردًا على القصف الإسرائيلي لغزة. أدى ذلك إلى تصعيد عسكري في الجنوب اللبناني، ما جعل لبنان جزءًا أساسيًا من المشهد النضالي العربي ضد الاحتلال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا السياق المشتعل، برز ديوان “خلف حدود الشمس” كصوت شعري يعكس هذه المرحلة التاريخية الملتهبة، حيث تسرد الشاعرة ليلى بيز المشغرية معاناة الشعوب العربية، وتتفاعل مع الأحداث بروح قومية صادقة.
ويعتبر السيد حسن نصر الله هو العمود الفقري لهذا الديوان سياقا وسباقا ولحاقا، وهو دليل على حب الشاعرة للسيد عليه رحمة الله
إذ يُعد السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، شخصية محورية في الصراع العربي-الإسرائيلي، ورمزًا للمقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي. منذ حرب يوليو 2006، ترسخ دوره كقائد استراتيجي، وقد برز مجددًا خلال أحداث 7 أكتوبر، حيث كان لحزب الله دور فاعل في دعم المقاومة الفلسطينية. استشهاده، كما تذكر الشاعرة، شكل صدمة عاطفية وسياسية، مما جعل قصائد الديوان تتخذ طابعًا رثائيًا ممزوجًا بالاعتزاز والفخر.
وكانت الشاعرة موفقة في اختيار العنوان. إذ يحمل العنوان “خلف حدود الشمس” دلالات رمزية عميقة، فهو يشير إلى عالم يتجاوز المرئي والمألوف، ويعكس رحلة فكرية وروحية إلى ما وراء الحدود المادية. يمكن تفسير “الشمس” بأنها رمز للحقيقة والحرية والعدالة، بينما “خلف حدودها” يشير إلى المساحات التي لم تُكتشف بعد، حيث تكمن الأحلام والطموحات غير المحققة. يوحي العنوان أيضًا بحالة من التحدي والرغبة في اختراق الواقع الصعب والعبور نحو مستقبل أكثر إشراقًا.
يتسم الديوان بلغة شعرية مكثفة، حيث تجمع الشاعرة بين الأسلوب المباشر والمجاز العميق، ما يضفي على النصوص بعدًا وجدانيًا مؤثرًا. استخدمت الشاعرة صورًا شعرية مبتكرة تستند إلى الرموز الوطنية والدينية والقومية، كما وظفت التكرار والتوازي لإضفاء إيقاع خاص على النصوص. غير أن بعض المواضع في الديوان بدت متأثرة بالعاطفة الجياشة على حساب البناء اللغوي المتين، ما قد يحتاج إلى ضبط إيقاعي في بعض القصائد.
يضم الديوان 27 نصًا، يمكن تصنيفها ضمن محاور رئيسية: النضال الوطني، الرثاء، القضية الفلسطينية، والهوية القومية العربية.
وجاءت النصوص كالتالي:
1- نور العدالة: في رثاء الإمام علي رضي الله عنه كان مثالا يحتذى في المحبة والتضحية.
واستدعاء هذا البطل ودوره وكيف ملك القلوب وصار متربعا على عرش المحبة.
2- خلف حدود الشمس: تعبير عن الأمل الذي يتجاوز المحن والمآسي، حيث تحلق الروح إلى عوالم الحرية.
3- سوف أعود: تتحدث عن حلم العودة إلى الوطن رغم الغربة، في إحالة مباشرة إلى القضية الفلسطينية.
4- أحقًا هو الاستقلال: تحتفي بعيد الاستقلال اللبناني، مؤكدة أن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع بالنضال.
5- فضل الله: تحية إلى المرجع الديني محمد حسين فضل الله، الذي كان رمزًا من رموز المقاومة والفكر الإسلامي.
6- سيدي الأقدس: تمجيد لشخصية السيد حسن نصر الله بوصفه قائدًا روحيًا وأسطورة خالدة.
7 -نداء العروبة: قصيدة قومية تدعو إلى وحدة الصف العربي ضد الاحتلال والظلم.
8- قتلوا الطفولة: مشهد مأساوي يصور معاناة الأطفال الفلسطينيين تحت القصف الإسرائيلي.
9- خلف حدود الجمال: انعكاس للحب والجمال في ظل الخراب والدمار.
10-أيقونة الحياة : خطاب شعري موجه الى السيد حسن نصرالله يعكس التأثر العاطفي العميق.
11- كالعلقم مر: استرجاع لأحداث العام المنصرم، وتأمل في أثرها على الأوطان والشعوب.
12-نور الحسين : هذه القصيدة تحتفي بولادة سيد الشهداء الإمام الحسين {عليه السلام} رمز التضحية والوفاء والإيثار والتمرد على الظلم والظالمين.
13- الشهيد الأسمى: نداء حزين يحمل مشاعر الولاء والفقد تجاه شخصية القائد.
14- الأسطورة الخالدة: وصف لدور حزب الله والسيد حسن نصر الله في المقاومة.
15- مياسم المجد: احتفاء ببطولات المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
16- رفرفة الروح في سماء الخلود: قصيدة ذات بعد صوفي، تتحدث عن الشهادة والخلود.
17-سنبلة الولاية: هذه القصيدة تحتفي بالإمام علي {عليه السلام} ويوم الغدير حيث تجسد رمزية “السنبلة” الإمتداد الروحي والبركةفي ولايته تعكس القصيدة مكانته في الإسلام باعتباره منبع الحكمة والعدل وتؤكد على دلالات يوم الغدير كحدث تاريخي مهم في تعيينه وليّا للمؤمنين.
18- زمن الانحطاط: نقد للأوضاع السياسية العربية، وغياب التضامن الحقيقي مع فلسطين.
19-نفحة أمل: دعوة للأمل والتغيير رغم صعوبة الواقع.
20- عروس المجد فلسطين: احتفال بالقيم النضالية والحرية.
وتمجيد للقضية الفلسطينية باعتبارها جوهر الصراع العربي-الإسرائيلي.
21-قصيدتي بندقيتي : تعبيرعن دور المقاومة بالكلمة وهي لا تقل عن المقاومة في الميدان
22-عائد هو : تعبير عن حتمية العودة والنصر وعدم نسيان الشهداء وعلى رأسهم السيد حسن
23- حديث الحجر: تجسيد لطموح وصمود الشعب الفلسطيني والحجر رمز المقاومة
24- أنين الذكريات: قصيدة وجدانية تعبر عن الحنين إلى الماضي الجميل.
25- لبنان أبدًا لن ينكسر: تأكيد على صمود لبنان رغم الحروب والتحديات.
26- صرخة في وجه القيود: تمرد على الاحتلال والظلم، ودعوة للتحرر.
27- فلسطين سيدة المجد وشقيقة النور: تمجيد لفلسطين بوصفها مهد البطولة والشرف.
وشقيقة النور ترمز إلى وحدة المصير بين لبنان وفلسطين.
لترسم الشاعرة بديوانها خلف حدود الشمس أيقونة من الشعر باقية بقاء المقاومة وبقاء الشهيد الذي لا يموت.
والملاحظة التي لا يمكن تجاهلها أن الديوان تاريخ لفترة مرت به المنطقة العربية، ومن هنا تظهر ثقافة الشاعرة ومتابعتها للأحداث والتعبير عما يجيش بصدرها، والشعر تفاعل مع الواقع والحياة.
والملاحظ أن الشاعرة ربطت بين قصائدها في رثاء السيد حسن نصر الله، والقصيدة الأخيرة في تمجيد فلسطين إذًا فالعلاقة بين النصين في رثاء السيد حسن نصر الله” و”فلسطين سيدة المجد” هي علاقة واضحة أنها علاقة تضحية وفداء، حيث يتم تصوير السيد حسن نصر الله كرمز للعدالة والمقاومة الذي قدم حياته في سبيل قضية فلسطين. فالنصوص تركز على رثائه باعتباره مناضلًا ضحى بنفسه، بينما النص الأخير يعظم فلسطين، مما يجعل العلاقة بينهم واضحة: التضحية بالنفس من أجل بقاء فلسطين ومجدها. أي أن السيد حسن نصر الله قدم روحه فداءً لفلسطين، مما يعزز مجدها واستمرارها كقضية مركزية.
يُعتبر ديوان “خلف حدود الشمس” عملًا أدبيًا ذا قيمة نضالية وإنسانية، حيث استطاعت الشاعرة ليلى بيز المشغرية أن تترجم الأحداث الكبرى في المنطقة إلى نصوص شعرية نابضة بالعاطفة والوعي القومي.
يمتاز الديوان بالالتزام بالقضايا العربية، خصوصًا القضية الفلسطينية ودور المقاومة اللبنانية، مع إبراز الجانب الروحي والوجداني في تجربة الفقد والتضحية. لغويًا، يجمع الديوان بين الفصاحة والبساطة، مع لمسات مجازية تضفي عليه بعدًا جماليًا.
في النهاية، يُمكن اعتبار “خلف حدود الشمس” شهادة شعرية على مرحلة عصيبة في تاريخ العرب، حيث يمتزج الألم بالأمل، والمأساة بالبطولة، ليظل هذا الديوان صرخة إبداعية تتجاوز حدود الزمن والمكان.
ليلى بيز المشغرية شاعرة وضعت نفسها على خريطة الأدب العربي الحديث بثقة واقتدار، تطورت وصارت تشق طريقها رغم الغربة.
مبارك للشاعرة هذا المولود الجديد وإلى المزيد من العطاء.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي