
التجربة الوجدانية بين الذات والوطن في ديوان “حروف من رحيق الوجد” لجنان خريباني
لا يستطيع الإنسان ان ينفصل عن واقعه، لا سيما الشاعر
والذي يطالع ديوان (حروف من رحيق الوجد) للشاعرة اللبنانية جنان خريباني يجد الوطن حاضرا وبقوة والحب والحياة مفردات ساكنة داخلنا وهي والوطن صنوان
عاشت لبنان فترة عصيبة ولعل جيل جنان خريباني عاش منذ طفولته أزمات لا تعد ولا تحصى، من هنا جاء الديوان يحمل الآلام التي عاشها الوطن والإنسان ما هو إلا حروف من رحيق الوجد الساكن داخل الوطن
فجاء الديوان يتأرجح ما بين الخاص والعام
تحليل الغلاف
اللوحة على غلاف الكتاب تعكس مشهداً شاعرياً لفتاة تقف وسط حقل من زهور الخزامى (اللافندر)، وهي ترتدي فستاناً أزرق فاتحاً وقبعة، بينما ترفع يدها لتحمي وجهها من أشعة الشمس أو الريح. في يدها الأخرى، تحمل سلة تحتوي على بعض الأزهار التي جمعتها.
تحليل اللوحة وربطها بالعنوان:
- الرقة والوجد:
الألوان الهادئة، وخاصة البنفسجي والأزرق، تعكس مشاعر الشوق والحنين، مما يتناسب مع كلمة “الوجد” في العنوان، وهو الشعور بالحزن أو الشوق العميق.
الفتاة تبدو كأنها غارقة في لحظة تأمل أو استغراق وجداني، وهو ما يتناغم مع فكرة الحروف المستخلصة من “رحيق الوجد”، وكأنها مشاعر مكثفة نابعة من لحظة وجدانية خالصة.
- الطبيعة كمصدر للإلهام:
الزهور، وخاصة الخزامى، ترتبط عادة بالهدوء والسكينة لكنها تحمل أيضاً إيحاءات بالشوق والذكرى.
وجود الفتاة وسط الطبيعة قد يكون رمزاً للتأمل في الذكريات والمشاعر العميقة التي تشكل مضمون الكتاب.
- الحركة والانسيابية:
وضعية الفتاة، حيث ترفع يدها نحو القبعة وكأنها تتفاعل مع الريح أو ضوء الشمس، توحي بحالة وجدانية متحركة وليست ثابتة، مما يعكس تفاعل المشاعر مع الزمن والتجربة.
العلاقة مع الكتاب:
اللوحة تُظهر لحظة وجدٍ شاعرية تتناغم مع فكرة “حروف من رحيق الوجد”، فالحروف هنا ليست مجرد كلمات، بل مستخلصة من لحظات عاطفية مكثفة، كما يُستخلص العطر من الزهور. يبدو أن الكتاب يحمل خواطر تعبر عن مشاعر وجدانية صادقة تنبع من تجارب إنسانية عميقة، تماماً كما توحي اللوحة بحالة شوق وتأمل في لحظة خاصة مع الطبيعة.
تحليل العنوان
يحمل عنوان الديوان “حروف من رحيق الوجد” دلالات وجدانية عميقة، فـ”الحروف” تشير إلى النصوص التي خطتها الشاعرة، و”الرحيق” يرمز إلى صفوة المشاعر وأعمق الأحاسيس، بينما “الوجد” يعكس العاطفة الجياشة والانفعالات الإنسانية التي تغلب على الديوان. بذلك يوحي العنوان بمحتوى يفيض بالمشاعر العاطفية والذكريات الإنسانية، وهو ما يتماشى مع موضوعات الديوان.
تحليل الديوان
__
يضم الديوان 119 نصًا مقسمًا إلى خمسة أقسام، حيث تتداخل موضوعاته بين الحب، الوطن، الذكريات، والخواطر الإنسانية. ويتضح من هذا التقسيم أن الشاعرة ركزت على تجربة ذاتية وجدانية، تشتبك مع العام، وهو ما أعطى الديوان طابعًا متنوعًا لكنه في الوقت ذاته مترابط من حيث التيمات.
1- القسم الأول: وجدانيات (51 نصًا)
يحتوي هذا القسم على نصوص تعكس مشاعر الحنين، الغربة، الألم، والأمل. ومن عناوينه: غربة المشاعر، عندما تموت الأحلام، لو عاد بنا الزمن، نحن والزمن، رحلة قلب، جارة القمر، أحلامنا التائهة، لحظة تيه على دروب الحياة، أنتم سراج الوطن، يا شعب لبنان الشهيد، عرش من سراب، وغيرها.
يغلب على هذا القسم أسلوب التأمل الذاتي، مع استخدام صور شعرية تستمد قوتها من الواقع العاطفي للشاعرة.
2- القسم الثاني: في الحب (38 نصًا)
يضم نصوصًا تتمحور حول تجارب الحب والعشق، مثل: دقة قلب، يليق بك الغرور، أنا وقلبك، رسائل منسية، شوق، همسات قلب، حب وكبرياء، ترنيمة حب، تعويذة عشق، ذات ليلة، ربيع الحب، رقصة أخيرة، فوق غمام العمر.
تتنوع النصوص بين العشق المتوهج والفقد والحنين، مع حضور واضح للنغمة العاطفية الحارة والصور الرومانسية المتجددة.
3- القسم الثالث: خواطر (9 نصوص)
ويضم نصوصًا تحمل طابعًا تأمليًا وفلسفيًا، مثل: كيف يموت الحب، أنين قلب، أحبك غدًا، ليس كأي حب، وهم، صدق المشاعر، خذلان، لم يكن حبًا، وداعًا.
هذه النصوص تقترب في بنائها من الشعر النثري، حيث تعتمد على التكثيف اللغوي، لكنها لا تخرج عن روح الديوان الوجدانية.
4- القسم الرابع: في ركن الذكريات (17 نصًا)
يعبر هذا القسم عن الحنين إلى الطفولة والأماكن والشخصيات المؤثرة في حياة الشاعرة، ويتضمن نصوصًا مثل: طفولة سالفة، بيت ستي، جدتي، نايات الحنين، ليالٍ موحشة، إلى أمي وأبي، ولادة، وهزمها الخبيث.
يمتاز هذا القسم بعاطفته الصادقة، حيث تبرز العلاقة الحميمية بين الشاعرة والماضي، خاصة في النصوص المتعلقة بالأسرة.
5- القسم الخامس: لبنانيات (12 نصًا)
يركز هذا القسم على قضايا الوطن والهوية والانتماء، ويشمل نصوصًا مثل: صباح الأمل، كل يوم بحبك، حب وحكايات، القلب دايب، لبنان سفير ديارنا، بلد العجائب، نفاق، رسالة خلاص.
تمتزج في هذا القسم العاطفة الوطنية بالتأمل في الواقع اللبناني، مما يضفي عليه بعدًا اجتماعيًا وسياسيًا.
الديوان ما له وما عليه:
- لغة الديوان: تمتاز اللغة بالسلاسة والعاطفية العميقة، إلا أن بعض النصوص النثرية تحتوي على قوافٍ زائدة، مما يجعلها أقرب إلى المحاولات الموزونة غير المتماسكة.
- تصنيف الديوان: ورد على غلاف الديوان أنه “خواطر”، بينما هو في الحقيقة مجموعة نصوص شعرية ونثرية، مما قد يسبب التباسًا لدى القارئ.
- تقسيم الديوان: لم يكن هناك حاجة واضحة للتقسيم إلى خمسة أقسام، إذ أن معظم النصوص تتداخل موضوعاتها، وكان يمكن تقديمها بأسلوب أكثر انسيابية دون التقيد بتصنيف صارم.
- الجانب القصصي في الديوان: من ص 188 إلى ص 198 تميل النصوص إلى الأسلوب القصصي أكثر من الشعري، مما قد يشتت القارئ الباحث عن التجربة الشعرية الصافية.
- تكرار بعض الصور والأفكار: في بعض النصوص، يظهر تكرار لصيغ تعبيرية وصور شعرية مما قد يقلل من قوة التأثير في بعض المواضع.
في النهاية:
يُعد ديوان “حروف من رحيق الوجد” تجربة وجدانية غنية، تمتزج فيها الأحاسيس الشخصية بالهموم العامة. ورغم بعض الملاحظات المتعلقة بالتصنيف والتقسيم، إلا أنه يظل ديوانًا يعكس تجربة عاطفية وإنسانية صادقة، ويستحق القراءة لما يحمله من مشاعر مكثفة وصور تعبيرية جميلة.
أتمنى للصديقة المبدعة جنان خريباني التفوق والنجاح الدائم.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي