
الغربة بين المسافة والوجدان في شعر ناصر رمضان عبد الحميد بقلم /ليلى بيز المشغرية
الغربة ليست مجرد بُعد جغرافي عن الوطن والأهل، بل هي حالة نفسية قد يعيشها الإنسان حتى وهو بين أحبته، حين يشعر بانفصال روحي عن محيطه، أو يفقد الانتماء الحقيقي لمن حوله. إنها تجربة قاسية تتعدى فقدان المكان لتصل إلى الشعور بالوحدة والضياع الداخلي. في هذه الأبيات، يعبّر الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد عن الوجه المؤلم للغربة، حيث تتجلى كلماته في لوعة الفراق ومرارة الاشتياق، في تصوير وجداني مؤثر يلامس القلوب.
يبدأ الشاعر أبياته بلوحة مشحونة بالعاطفة:
“يبكي الغريب إذا نأت أوطانهُ
ويصيبه في البُعدِ همٌّ لا يزولُ”
هنا تتجلى صورة المغترب الذي لا يجد سوى الدموع متنفسًا لحزنه، في تعبير صادق عن الألم المستمر. فالفعل “يبكي” يوحي بشدة التأثر، بينما تعبير “همٌّ لا يزول” يؤكد أن الغربة ليست مجرد لحظة عابرة من الحنين، بل حالة دائمة من القلق والحزن الذي لا يفارق صاحبه.
ويواصل الشاعر رسم ملامح الاشتياق والحرمان بقوله:
“يهفو لوصلِ الأهلِ في ليلِ الجوى
لكنّهُ عن دربهم دومًا يميلُ”
في هذا البيت، يبرز التناقض المؤلم بين الشوق والواقع، فالمغترب يحلم بوصال أهله، لكنه يظل بعيدًا عنهم، وكأن الأقدار تجعل الطرق بينه وبينهم ملتوية أو مستحيلة. الليل هنا ليس مجرد زمن، بل رمز للوحدة والحزن، بينما الفعل “يميل” يوحي بالعجز وعدم القدرة على العودة، مما يعمّق الإحساس بالغربة والضياع.
ويصل الشاعر إلى ذروة الإحساس بالفقد في بيته الأخير:
“ما للعزيزِ إذا تغرَّبَ حالُهُ
إلَّا ذليلٌ، والطريقُ به طويل”
في هذا البيت، تتجلى المفارقة القاسية بين مكانة الإنسان في وطنه وبين ما يعيشه في الغربة. فالعزيز في وطنه يجد نفسه ذليلًا خارجه، فاقدًا لدائرته الاجتماعية ولحياته المعتادة. أما تعبير “الطريق به طويل”، فلا يشير فقط إلى المسافة المادية، بل يعكس امتداد المعاناة، وكأن الزمن نفسه يطيل غربته، ويثقل عليه الشعور بالضياع.
هذه الأبيات ليست مجرد تصوير لغربة المسافات، بل يمكن إسقاطها على الغربة النفسية التي قد يعيشها الإنسان وهو بين أهله. فقد تكون الغربة انفصالًا داخليًا، حين لا يجد المرء من يفهمه أو يشاركه مشاعره، فيصبح غريبًا حتى في دائرته الضيقة. وهذه الفكرة تضفي على الأبيات بعدًا فلسفيًا، يجعلها تعبر عن تجربة إنسانية شاملة، لا تقتصر على السفر والتنقل، بل تمتد إلى أعمق زوايا النفس.
تميّزت الأبيات بجمال الصور الشعرية، حيث استخدم الشاعر ألفاظًا قوية تعكس الحزن والحنين، مثل “يبكي” و“ليل الجوى” و“الطريق الطويل”، مما أضفى على النص جوًا وجدانيًا حزينًا. كما حافظ على انسجام موسيقي يجعل الأبيات تتدفق بسلاسة، مما يعزز وقعها العاطفي في وجدان القارئ.
بإيجاز، استطاع الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد أن يقدّم في هذه الأبيات لوحة شعرية صادقة، يتجلى فيها عمق الإحساس بالغربة، سواء كانت غربة المكان أو غربة النفس. وقد حملت كلماته مشاعر المغترب في صورتها الأكثر صدقًا وإنسانية، مما يجعلها تلامس كل من ذاق مرارة الفقد، سواء كان بعيدًا عن وطنه أو غريبًا في وسط أهله.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي