أغاريد لبنان…وعطر الجنان .!
قراءة نقدية في قصيدة”عطر الجنان” للشاعرة اللبنانية تغريد بو مرعي ، بقلم الكاتب والناقد الفذ الإعلامي محمود محمد زيتون
الشعراء لا يبتكرون الشعر ..
فالقصيدة هناك..في مكان ما
من زمن بعيد ، والشاعر هو فقط من يكشف عنها.!
وهذا ما تملك إحساسي وأنا أقرأ قصيدة :
« عطر الجنان » للشاعرة المفكرة المجددة تغريد بو مرعي .
إنها قصيدة وجدانية مفعمة بالأمنيات العذاب ، في سفر الروح الحالمة في عالم السحر والجمال ، بعد أن أسكرتها نشوة الحب .!
كلمات موحية ، وتراكيب من نحت البيان ،
وصور شعرية جميلة مترعة بالعاطفة كجمال عذارى لبنان.!
فشاعرتنا تعرض تجربتها الحالمة في تمازج بين الحالة والفكرة ، والبناء اللفظي والجمال الحسي ، والتأثير الموحي ، في قوالب مبتكرة بصياغات مثيرة من نحت القوافي .!
البداية تصوير بارع لحالة الانتشاء وبعدسة (زوم) كما يفعل أهل السينما ، فتقول :
أراني أعصر الأشواق خمرٱ
وأستل القوافي من دنان
دوالي الشوق يا شعرٱ وسحرا
هبيني ما يرق من المعاني
جنون الروض شع ندٱ وعطرا
لتحيي الروح أعطار الجنان
« أعصر الأشواق » تصوير للحالة( الحلم ) والفيضان العاطفي ، يوحي بالتدفق والارتواء المترع حتى السكر.!
والفكرة تتكون كالجنين في رحم القصيدة ، فتصوغها شاعرتنا بمهارة ورصانة حين تقول «أستل القوافي » أي تنتزعها وتخرجها بشاعرية قلب رنام ، وروح نشوى بلذة الحلم ونفس سكرى بخمر الحب.!
لقد كان الشوق أرضٱ جدباء تشققت وجف ثراها ، فجاءت «دوالي الشوق » كنواعير تغدق الماء والنماء ، وتزهر بياسمين تنتشر أعطاره في الجنان.!
وهي تفعل ذلك ؛ لتسعفها القوافي ، وتجود عليها بما يعبر ويصف حالتها الحالمة الناعمة المنتشية المتدثرة برداء الفرحة ولقيا الحبيب.!
ثم تصف حالة الفيض والتدفق
ببراعة تحسدها عليها «ولادة بنت المستكفي »
ويغار منها نزار قباني حين كان يترك دفتر أشعاره مفتوحٱ قبل أن ينام ؛ لتأتي روح الحبيبة فتبثه روح القصيدة !
فتقول :
جنيت من الهوى وردٱ وزهرٱ
يعطرني، إلى حد التفاني
وفاض القلب وجدٱ حين أسرى
لتحقيق المزيد من الأماني
إنها تنقلنا من حالة الغبطة والنشوى إلى عطاء المحب وإيثار الكريم إذا أحب.. !
إنه نص صيغ بشاعرية وروح محلقة بفضاءات حلم في ليلة من ليالي لبنان المقمرة.!
ولله درك شاعرتنا تغريد ، فقد تجسد الحلم ، وتراءى أمام ناظري كراقصة بالية نشوى على أطراف أصابعها فى أرض من البلور.!
إنه حلم اللقاء ، يراقص حنايا القلب ، ويؤدي صلاة الحب في محراب الهوى !
ويالك شاعرتنا من فارسة تمتطي صهوة القصيد بتلك الصور الشعرية التي رسمها يراعك بمهارة سليمة البنيان ساحرة البيان.!
وهذه روحك الطاهره الطيبة تنثر الحب في فضاءات الدنا وسماوات القلوب بإيثار وعطاء :
نثرت الخير فوق الأرض نثرٱ
ليفوح دالة حب يعاني
تزيد إذا بذلت الخير قدرٱ
إلى من يفعل الخير التهاني.
الله.. ما أجمل تلك الروح التي تسكنك شاعرتنا ، وما أرحب قلبك العامر بالعطاء ، الزاخر بالحب ، حين يزف البشرى لمن يبذل الخير ويبذر الحب.!
دام شراع يراعك يبحر بالخير
ويرسو بسفينة روحك على «جودي» الحب ، ودامت محبرتك مترعة بالجمال ، ولسانك رنامٱ بأغاريد الشوق.!
محمود محمد زيتون
كاتب وإعلامي مصري
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي