د . منى نوال حلمي
======================= جيفارا .. رجل تمنيت أن أكون حبيبته ========================== كلما شعرت بالضعف ، والرغبة فى ترك الحياة ، بكل ما فيها ، أستعيد سيرته ، وأتذكر كيف آمن بقضية
الحرية ، عاش مطاردا ، بلا وطن ، لا يفقد قوته ، وصلابته .
كلما فقدت شغفى بكل الأشياء ، أقرأ كلماته ، فأشعر بالاحراج من ضآلتى ، ومن لحظات تدفعنى الى
الانسحاب ، حيث العدم والراحة الأبدية .
كلما هلت ذكرى الميلاد ، أو الرحيل ، أتذكر كم تمنيت أن أكون حبيبته . الرجل الوسيم نادر ، الطبيب ذو الضمير نادر ، الانسان الحامل كفنه على يديه ، من أجل أن يفرح الفقراء نادر ، الرجل المهموم بالحزن فى عيون الأطفال نادر . وبالتأكيد هو رجل نادر الذى يقول :
” عندما أموت لا تحزنوا بل افعلوا ما كنت سأفعله لو كنت حيا ” … و”اسقطوا الجنسية عنى فكل الأوطان وطنى ” .. ” عند موتى يا أمى لا تبكى ، سأحرض سكان القبور على الثورة من تحت التراب ” . ” أشعر بكل صفعة توجه الى مظلوم على وجهى “.
ارنست تشى جيفارا 14 يونيو 1928الأرجنتين – 9 أكتوبر 1967بوليفيا ، أكتب عنه ، بمناسبة الرحيل السابع والخمسين ، كرمز لاشتهاء الحرية والعدالة والاستهانة بالأخطار ، وتحدى سلطات الاستبداد والاستغلال أينما كانت .
كان رائعا فى وسامته ، وثورته ونبل انسانيته ورحابة آفاقها . سيرة مرموقة ، تثير الدهشة ، لا تتكرر كثيرا . متفوقا فى الرياضة الركبى والسباحة و لعبة الشطرنج .
رافق فيدل كاسترو وحركته النشطة فى الحزب الشيوعى الكوبى ،وتحرير كوبا من الديكتاتورية فى عهد باتيستا .
كان يجمع ما بين أعمال ومسئوليات الحزب ، وكتابة اليوميات والمذكرات واعداد الخطط ومعالجة المرضى والمصابين فى جيش التحرير الكوبى المسلح . وبعد نجاح الثورة الكوبية ، بانتصار ثورة 26 يوليو 1953 ، وتم خلع باتيستا 1959 ، تقلد مناصب هامة فى العهد الجديد بقيادة كاسترو ، وأصبح وزيرا للصناعة ، وكان يرتدى بدلة العمال وينزل فى مواقعهم ، ويأكل معهم ، ويتحدث اليهم ، لا نميزه بينهم ، الا بالسيجار الكوبى الذى يدمنه ، وشعره الأسود الكثيف يلامس كتفيه ، وشرارة الحرية لا تخمد .
ينضم الى المظلومين المقهورين بسبب الاستغلال الرأسمالى الاحتكارى والامبريالية والاستعمار الجديد فى أى مكان ، فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا . غايته هى ” عولمة الثورة “.
فى عام 1964 ، قرر جيفارا التخلى عن مناصبه السياسية فى كوبا ، ويغادرها الى الكونغو فى أفريقيا ، والى أماكن أخرى من العالم . وقال خطبته الشهيرة التاريخية للعالم فى الأمم المتحدة فى 11 ديسمبر 1964 ، مودعا المناصب والراحة والاستقرار : ” لقد بدأت الموجة الكاسحة ولن تتوقف بعد الآن “.
شعر الشعب الكوبى أنه يفقد الملهم والقائد والثورى ، بهذه الرحلة ، وكتب كارلوس بويبلا ، عام 1965 ، أغنية من تأليفه وألحانه ، تعبر عن خلود فكر جيفارا ، عبر الأجيال فى كوبا وفى العالم ، وأخذ اسمها من كلمات جيفارا فى خطبته الأخيرة 1964 : ” حتى النصر دائما “.
وسافر جيفارا مع رفاقه فى جيش التحرير الوطنى الى الكونغو ، لكن الشعب لم يكن جاهزا للانضمام اليه . كتب بعد هذه التجربة :” قد أفشل لكننى لا أعيد الفشل الواحد مرتين “.
أهداه عبد الناصر درع الجمهورية فى فبراير 1965 رغم اختلافاتهما حول أساليب التغيير والتحرر فى أفريفيا .
فى بدايات شهر مارس 2022 ، مات ماريو تيران الذى قام باعدام ارنستو تشى جيفارا فى أدغال بوليفيا ، بأوامر من المخابرات المركزية الأميركية المدعمة للنظام الديكتاتورى البوليفى فى عهد الرئيس رينيه بارينتو . قال جيفارا لماريو تيران العسكرى الشاب قبل لحظة اعدامه : ” أعرف أنك جئت لتقتلنى .. اضرب أيها الجبان ، فلن تقتل الا رجلا “.
بعد اغتيال جيفارا ، أصبح أيقونة عالمية ترمز الى انتفاضات الشعوب ضد الظلم والقهر والاستغلال . واستعادة جزء صغير من نضاله ، كاف لالهام كل الحالمات والحالمين بالانعتاق من القيود ، ومقاومة سارقى الأوطان والكرامة .
وجيفارا كما أراه ، هو فيلسوف ، لا يناضل فقط بالسلاح ، ولكن بالعقل المتفلسف المبدع للأفكار والرؤى التى تحركه . وأعتقد أن البطانة الفلسفية هى أساس النجاح والانتصار فى أى مجال .
” نموت من أجل الوطن ، لكن من الأفضل أن نعيش من أجله ” .. “
” المبدأ الذى يستحق العيش من أجله هو الذى يستحق الموت من أجله ” ..
” من مصلحة المستبدين تحويل الأديان الى مجرد طقوس ” ..
” لا تضع مفتاح سعادتك فى جيب شخص آخر ” ..
” القوة الحقيقية عندما يظنون أنك على وشك السقوط ولا تسقط ” ..
” أحيانا لابد أن نصمت كى يسمعنا الآخرون ، الصمت أصعب فنون الكلام ” ..
” لن أتوقف عن القتال حتى يحصل كل أطفال العالم على كوب لبن كل صباح “
أليست هذه مقولات لا تصدر الا عن فيلسوف بالفطرة ؟؟.
فى سانتا كلارا ، فى ساحة تشى جيفارا ، يوجد الضريح الحامل اسمه حيث دفن رفاته ، هو
و29 من رفاقه ، ويوجد النصب التذكارى الخاص به ، حيث يرتفع تمثال جيفارا شامخا ، متحديا ، بفدائيته وناريخه ، وصوره التى تملأ كل مكان فى كوبا ، وفى أمريكا اللاتينية .
فى عام 1950 ، ارتحل جيفارا على دراجة نارية مع صديقه البرتو جرانادو ، عبر مدن أمريكا اللاتينية ، حيث اكتشف معاناة وبؤس هذه القارة التى خضعت للاستعمار ونهب ثرواتها والابادة الجماعية . رحلة كتب يومياتها 1951 ، وكانت نقطة التحول من الطب الى الثورة .
ما أحوجنا نحن سكان كوكب الأرض ، نساء ورجالا ، أن نستلهم من ذكرى اطلاق الرصاص على جيفارا ، قوة أكبر على اطلاق كل طاقاتنا، لصنع عالم يختفى فيه استغلال
وقهر البشر ، أينما كانوا . كتب محفزا : ” الطريق معتم ، منْ سينيره اذا احترقنا أنا وأنت ؟”.
==========================================================
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي