إيقاع المتدارك والخبب و الإيامب
أثير جدل عروضي كبير قديما وحديثا – ولا يزال- حول بحري المتدارك والخبب، منذ أن ابتكر عبقري العربية الخليل ابن أحمد دوائره العروضية، والتي استنبط من خلالها الأوزان الشهيرة للشعر العربي، و(أهمل) أوزانا أخرى ، وبعيدا عن تفاصيل وشروح الدوائر الخليلية ، فإن ما يعنينا هو بحر المتدارك(فاعلن) الذي يمكن فكه من الدائرة الخامسة والتي تحوي بحر المتقارب(فعولن)، بعيدا عن ذلك ، فإن السؤال المثار هو ، لماذا لم يذكر الخليل هذا البحر (فاعلن) ، وهل اعتبر أن موسيقاه ليست عربية خالصة ؟ ، وكذلك الحال فيما يتعلق ببحر الخبب (فعلن) بثلاث حركات سكون أو (فعلن) حركة سكون حركة سكون والذي حير كثيرا من العروضيين والشعراء على السواء. فمنهم من اعتبره بحرا راقصا منسابا(ركض الخيل) ، ومنهم من اعتبره بحرا رديئا لا يناسب العربية، لذلك لم يكتب فيه أحد من القدماء؟ وحتى مع ما روي من بعض الأبيات القليلة المتناثرة والتي يعتبرها البعض (منحولة ) ولا تصح نسبتها إلى قائليها، فهي لا تصلح شواهد لإدخاله في بحور الشعر العربي.؟
من وجهة نظري ، أرى أن الخليل بحسه المرهف وعبقريته الفذة ، ربما أدرك أن هذا البحر (سواء المتدارك أو الخبب) ليس مختصا بالعربية وحدها ، وأنه ينتمي إلى كثير من اللغات الأخرى، ومنها اليونانية والرومانية ، في ذلك الوقت . فهو بحر (شعبي) أو بدائي (فطري) يستطيع كل أحد أن يكتب عليه . وفي عصرنا هذا نجد أن كثيرا من الشعراء وخاصة شعراء العامية يستعملون هذا البحر بتلقائية وعفوية ، بل ويستخدمه من لا علاقة لهم بالشعر في أغراض تلقائية هجاء ومدحا وفخرا ؟ ومع تطور اللغات وظهور اللغة الإنجليزية أصبح بحر الإيامب(الذي أعتبره) قريبا من الخبب بصورة (حركة سكون فقط وليس ثلاث حركات سكون) ، أصبح الإيامب من أشهر الإيقاعات الإنجليزية المعروفة، وقد استعمله شكسبير في قصيدته الشهيرة والتي مطلعها
كما استخدمه شعراء آخرون غير شكسبير بأكثر من صورة (ثنائي- ثلاثية – رباعية –خماسية ..)Shall I compare thee to a summer’s day ?
ومع ظهور دراسات كثيرة عن أوزان الشعر الإغريقي، وضعت نظريات مختلفة حول طبيعة هذا البحر (الإيامب) والذي يعتبره الكثيرون إيقاعا بدائيا رديئا كان يستخدم في الهجاء والموضوعات المبتذلة وخاصة على يد الشاعر اليوناني أرخيلوخوس؟ لكن هذا لا يمنعنا أن نقول إن كثيرا من الشعراء العرب طوعوا هذا البحر بطريقة غنائية جذابة كما فعل الحصري القيرواني( يا ليل الصب مت غده) ، وكما فعل شوقي في معارضته ، وكذلك شعراء ىخرون.
لكن ما نود أن نقوله في هذه الدراسة الموجزة هو أن نصل إلى نتيجة مفادها أن الخبب أو المتدارك ليس بحرا عربيا خالصا ، وأن كثيرا من الأمم قد عرفته؟
وقد قدمت في كتاب من أسرار الهيروغليفية مقترحا للدارسين والباحثين بمراجعة إيقاع اللغة الهيروغليفية، فهناك مؤشرات تدل على ان المصريين القدماء كانوا يعرفون هذا الإيقاع.
لقد كان الخليل عبقريا للدرجة التي جعلته يهمل بعض البحور ومنها المتدارك والخبب لإدراكه العميق بأن هذه الأوزان بدائية أو فطرية كامنة في كثير من أبنية اللغات والثقافات .
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي